عزمي بشارة
* وقف إطلاق النار (1) الذي أعلن ليلة السابع عشر من يناير/كانون الثاني 2009 هو تعبير عن عدم قدرة إسرائيل على الاستمرار بالحرب، وذلك في حملة برية لاحتلال غزة بأسرها.
لقد فحص جيش الاحتلال ذلك عمليا باقتحامات شتى ووجهت بمقاومة شرسة. وقلّب قادته الأمر، فوجدوه مكلفا غير مضمون العواقب. ولكن اقتصار الحرب على القصف الجوي والمدفعي لا يحسم المعركة. صحيح أنه يدمر ويقتل ويحرق دون تمييز، وصحيح أنه يكلف المجتمع الفلسطيني ثمنا باهظا، ولكنه لا يحسم المعركة.
ومن ناحية أخرى لم يتمكن مبعوثو المخابرات والرئاسة المصرية من فرض الشروط السياسية الإسرائيلية على حركات المقاومة. وهي تتلخص بالتعهد بوقف المقاومة ونزع سلاحها.
"
إن ما يحتاج إلى دراسة هو تحول قتل المدنيين، والتباهي باستهدافهم إلى مركب في الثقافة الإسرائيلية
"
لقد كان المطلوب هو توقيع المقاومة على "منع تهريب السلاح" وعلى "تهدئة" دائمة أو طويلة المدى. فما كان من إسرائيل أن أوقفت النار من طرف واحد مدعية أنها أنجزت الأهداف من الحملة. ولكنها لم تنجزها.
* كانت رايس جاهزة لمنح ليفني أية ورقة تمكِّنها من العودة إلى المجتمع الإسرائيلي بإنجاز ما، ودون انتظار تحقق الإملاءات المصرية على حماس ناهيك بتفاهمات معها.
لا نعرف تفاصيل الاتفاق، وأقصد عدا الأمور العامة المتعلقة بتجند الولايات المتحدة لمنع وصول السلاح إلى حماس. وطبعا سوف يتعلق الأمر بمدى استعداد إدارة أوباما لمتابعة التنفيذ ومدى تعاون مصر معهم في ذلك. وبالمجمل، هذه اتفاقيات غير ممكنة التنفيذ دون تعاون عربي.
* ما هي الأهداف التي حققتها إسرائيل من حربها على غزة؟ هل هي مدارس وكالة الغوث "الأونروا"؟ هل هو حرق البشر بالفوسفور؟ هل انتصرت الإف 15 على من هم في سن الـ15 عاما مستعيدة هيبة الردع، أو الرعد أو الرعب؟
ردعت إسرائيل الأطفال في غزة وفي كافة منازل الوطن العربي. مرحى مرحى مرحى، هورا هورا هورا. لتستمر مقاهي تل أبيب (المدينة دون توقف كما يحبون تسميتها هناك) باحتضان الطيارين الشباب والفنانين والصحفيين الذين يروون النكات عن غزة، وعن أطفال ونساء غزة. فهذا لا يثير انطباعا عند من انطبعت الصور في أذهانهم. كل شيء هنا توقف غير تلك الصور في الأذهان، وكل شيء هنا يتوقف على إنجاز مهمة واحدة، أن يعود التاريخ إلى نفسه في المنطقة العربية وهو لا يشمل إسرائيل. إنه لا يشمل تل أبيب ولا بطرها من حروب قليلة الضحايا عند من يملك الطائرات، ولا فائض سخريتها ممن لا يملكها.